الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
6 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الغالّ يستحقّ سهمه من الغنيمة وهو صحيح، قال المرداويّ: وهو المذهب، وقيل: يحرم سهمه، واختاره الآجرّيّ وجزم به ناظم المفردات.
7 - إذا تاب الغالّ قبل القسمة ردّ ما أخذه في المغنم بغير خلاف ؛ لأنّه حقّ تعيّن ردّه لأصله، فإن تاب بعد القسمة فمقتضى مذهب الحنابلة أن يردّ خمسه إلى الإمام ويتصدّق بالباقي، وهذا قول الحسن واللّيث والزّهريّ والأوزاعيّ، لما روى حوشب قال: غزا النّاس الرّوم وعليهم عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد، فغلّ رجل مائة دينار، فلمّا قسمت الغنيمة وتفرّق النّاس، تقدّم فأتى عبد الرّحمن فقال: قد غللت مائة دينار فاقبضها، قال: قد تفرّق النّاس، فلن أقبضها منك حتّى توافي اللّه بها يوم القيامة، فأتى معاوية فذكر ذلك فقال مثل ذلك، فخرج وهو يبكي، فمرّ بعبد اللّه بن الشّاعر السّكسكيّ فقال: ما يبكيك ؟ قال: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، أمطيعي أنت يا عبد اللّه ؟ قال: نعم، قال: فانطلق إلى معاوية فقل له: خذ منّي خمسك فأعطه عشرين ديناراً، وانظر إلى الثّمانين الباقية فتصدّق بها عن ذلك الجيش، فإنّ اللّه يعلم أسماءهم ومكانهم، وإنّ اللّه يقبل التّوبة عن عباده، فقال معاوية: أحسن واللّه، لأن أكون أنا أفتيت بذلك خير من أن يكون لي أحسن شيء امتلكت.
انظر: أيمان.
1 - الغنى بالكسر وبالقصر: اليسار، قال أبو عبيد: أغنى اللّه الرّجل حتّى غني غنًى، أي صار له مال. والغَنِيّ من أسماء اللّه عزّ وجلّ، وهو الّذي لا يحتاج إلى أحد في شيء، وكلّ أحد محتاج إليه، وهذا هو الغنِى المطلق. وفي الحديث: «خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنىً»أي ما فضل عن قوت العيال وكفايتهم. والغِنى يكون بالمال وغيره، من القوّة والمعونة، وكلّ ما ينافي الحاجة. ولا يخرج معنى الغنى في اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ، إلاّ أنّهم يختلفون في الغنى المعتبر باختلاف المواضع الّتي يكون الغنى فيها أساساً في الحكم: فالغنى المعتبر في الكفاءة في النّكاح مثلاً غير الغنى المعتبر في إيجاب الزّكاة، يقول الكاسانيّ: الغنى أنواع ثلاثة: غنىً تجب به الزّكاة، وغنىً يحرم به أخذ الزّكاة وقبولها، وغنىً يحرم به السّؤال ولا يحرم به الأخذ.
أ - المال: 2 - المال لغةً: ما ملكته من جميع الأشياء، قال ابن الأثير: المال في الأصل ما يملك من الذّهب والفضّة، ثمّ أطلق على كلّ ما يقتنى ويملك من الأعيان، ومال الرّجل يمول ويمال: إذا صار ذا مال. وفي الاصطلاح: المال ما يميل إليه الطّبع ويمكن ادّخاره لوقت الحاجة. والمال من أسس الغنى، والغنى أعمّ من المال، لأنّه يكون بالمال وغيره من القوّة والمعونة وكلّ ما ينافي الحاجة. ب - الاكتساب: 3 - الاكتساب: طلب الرّزق وتحصيل المال على العموم. وأضاف الفقهاء إلى ذلك ما يفصح عن الحكم فقالوا: الاكتساب هو تحصيل المال بما حلّ من الأسباب. والصّلة بينه وبين الغنى، أنّ الاكتساب وسيلة من وسائل الغنى. ج - النّعمة: 4 - النّعيم والنُّعمَى والنّعمة في اللّغة: الخفض والدّعة والمال، وهو ضدّ البأساء والبؤس، والجمع: نِعم، والنّعمة: اليد البيضاء الصّالحة، والصّنيعة، والمِنَّة. ونِعمة اللّه: مَنُّه وما أعطاه اللّه العبد ممّا لا يمكن غيره أن يعطيه كالسّمع والبصر. ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ. وعلى ذلك تكون النّعمة أعمّ من الغنى ؛ لأنّها تشمل الغنى وغيره. د - الفقر: 5- الفقر: العوز، والحاجة، والهمّ، والحرص. والفقر ضدّ الغِنى. قال ابن السّكّيت: الفقير الّذي له بُلْغَةٌ من العيش، والمسكين: الّذي لا شيء له، وقال ابن الأعرابيّ: الفقير الّذي لا شيء له، والمسكين مثله. ويقول ابن قدامة: الفقير والمسكين كلاهما يشعر بالحاجة والفاقة وعدم الغنى، إلاّ أنّ الفقير أشدّ حاجةً من المسكين، لأنّ اللّه تعالى بدأ به في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ}، وإنّما يبدأ بالأهمّ فالأهمّ، وقيل: العكس.
6 - طلب الغنى أمر مشروع في الإسلام، وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات الّتي تدعو إلى طلب الرّزق والسّعي في الأرض، يقول اللّه تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}، ويقول سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ}، يقول ابن كثير: أي فسافروا حيث شئتم من أقطار الأرض، وتردّدوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتّجارات. وطلب الغنى قد يكون فرضاً، وذلك بأن يسعى الإنسان ليكسب ما تحصل به كفاية نفسه وعياله ويغنيه عن السّؤال. وقد يكون طلب الغنى مستحبّاً، وذلك بأن يسعى الإنسان ليكسب ما يزيد على نفقته ونفقة من يعوله، بقصد مواساة الفقراء وصلة الأرحام ومجازاة الأقارب، وطلب الغنى بهذه النّيّة أفضل من التّفرّغ للعبادة. وقد يكون طلب الغنى مباحاً، وهو ما كان زائداً على الحاجة وقصد بطلبه التّجمّل والتّنعّم. ويكره طلب الغنى بجمع المال للتّفاخر والتّكاثر والبطر والأشر، ولو كان من طريق حلال، فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من طلب الدّنيا حلالاً مكاثراً مفاخراً مرائياً لقي اللّه تعالى وهو عليه غضبان». ويحرم طلب الغنى إذا كان الطّريق إليه حراماً كالرّبا والرّشوة وغير ذلك. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} الاستثناء منقطع، كأنّه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرّمة في اكتساب الأموال.
يكون الغنى محموداً إذا تحقّق فيه ما يأتي: 7 - أوّلاً: أن تكون السّبل المؤدّية إلى كسب المال مشروعةً وجائزةً، واللّه سبحانه وتعالى يدعو إلى الكسب الحلال الطّيّب، يقول اللّه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً}، يقول القرطبيّ: وذلك بخلوّه من الرّبا والحرام والسّحت. ويقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أيّها النّاس إنّ اللّه طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً، وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء: يا ربِّ، يا ربّ، ومطعَمُه حرام، ومَشْرَبُه حرام، ومَلْبَسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك ؟». ونهى اللّه سبحانه وتعالى عن أكل أموال النّاس بالباطل، فقال عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ}. والباطل يشمل ما كان غير مشروع، كالغشّ والرّشوة والغصب والقمار والاستغلال والرّبا، وما جرى مجرى ذلك. ويقول القرطبيّ في قوله تعالى {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}: يدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق وما لا تطيب به نفس مالكه. 8- ثانياً: ممّا يجعل الغنى محموداً أن يؤدّي شكر اللّه في هذه النّعمة، وشكر اللّه في النّعمة كما يقول الفقهاء هو: صرف العبد جميع ما أنعم اللّه تعالى به عليه إلى ما خلق لأجله. وقال الحليميّ: شكر اللّه تعالى على نعمه واجب شرعاً من حيث الجملة. قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}، وقال تعالى: {كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}. وفي الآداب الشّرعيّة لابن مفلح: الشّكر زينة الغنى، والعفاف زينة الفقر، ويكون ذلك بإنفاق المال في الأمور المشروعة، وعدم إنفاقه فيما حرّمه اللّه، يقول ابن جزيّ: الحقوق في الغنى هي: أداء الواجبات، والتّطوّع بالمندوبات، والشّكر للّه تعالى، وعدم الطّغيان بالمال. ويقول ابن كثير: حبّ المال تارةً يكون للفخر والخيلاء، والتّكبّر على الضّعفاء، والتّجبّر على الفقراء، فهذا مذموم، وتارةً يكون للنّفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات، ووجوه البرّ والطّاعات، فهذا ممدوح محمود شرعاً. 9- وقد اختلف النّاس في المفاضلة بين الفقر والغنى، فذهب أكثر الفقهاء إلى أنّ الغنى أفضل، قالوا: لأنّ الغنيّ يقدر على أعمال صالحة لا يقدر عليها الفقير، كالصّدقة والعتق وبناء المساجد، واحتجّوا بأنّ الغنى نعمة، والفقر بؤس ونقمة ومحنة، ولا يخفى على عاقل أنّ النّعمة أفضل من النّقمة والمحنة، والدّليل على ذلك أنّ اللّه تعالى سمّى المال فضلاً، فقال عزّ وجلّ: {وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}، وما هو فضل اللّه فهو أعلى الدّرجات، وسمّى اللّه تعالى المال خيراً، فقال تعالى: {إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ}، وهذا اللّفظ يدلّ على أنّه خير من عنده، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا}، يعني الملك والمال، وفي الحديث الشّريف، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «اليد العليا خير من اليد السّفلى» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكفّفون النّاس».
10 - يتعلّق بالغنى أحكام من حيث الإعطاء، سواء أكان واجباً كالزّكاة والكفّارة والنّفقة الواجبة، أو كان الإعطاء مستحبّاً كالتّبرّعات، أو كان الإعطاء حراماً كالإنفاق في المحرّمات. كما يتعلّق بالغنى أحكام من حيث الأخذ، فيحرم على الغنيّ الأخذ من الزّكاة المفروضة والكفّارات، بينما يحلّ له الأخذ من التّبرّعات وغير ذلك. ويتعلّق بالغِنى كذلك أحكام من حيث العلاقة مع الغير، كاعتبار غنى الزّوج في الكفاءة في النّكاح، وغير ذلك من التّصرّفات الّتي تتعلّق بالغنى. وبيان ذلك فيما يأتي:
11 - من كان عليه دين حالّ وكان غنيّاً قادراً على الوفاء، وجب عليه أداؤه عند طلبه، فإن ماطل كان آثماً ظالماً، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «مَطْل الغنيّ ظلمٌ» وللحاكم أن يلزمه بالأداء بعد طلب الغرماء، فإن امتنع حبسه القاضي لظلمه بتأخير الحقّ من غير ضرورة، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لَيُّ الواجد يُحِلّ عرْضَه وعقوبته»، والحبس عقوبة، فإن امتنع بعد ذلك وكان له مال ظاهر وهو من جنس الدّين وفَّى القاضي منه غرماءه، وإن كان المال من غير جنسه باع القاضي عليه هذا المال، أو أكرهه على البيع لأداء الدّين، لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «باع على معاذ ماله، وقضى ديونه»، وكذلك روي أنّ عمر رضي الله تعالى عنه باع مال أسيفع وقسمه بين غرمائه.
12 - بيّن الرّسول صلى الله عليه وسلم من تحلّ له المسألة، فقال لقبيصة بن المخارق: «يا قبيصة، إنّ المسألة لا تحلّ إلاّ لأحد ثلاثة: رجل تحمّل حمالةً فحلّت له المسألة حتّى يصيبها ثمّ يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتّى يصيب قواماً من عيش، أو قال: سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتّى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلّت له المسألة، حتّى يصيب قواماً من عيش أو قال: سداداً من عيش فما سواهنّ من المسألة - يا قبيصة - سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً». قال ابن قدامة: فمدّ إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السّداد ؛ ولأنّ الحاجة هي الفقر، والغنى ضدّها، فمن كان محتاجاً فهو فقير يدخل في عموم النّصّ، ومن استغنى دخل في عموم النّصوص المحرّمة للسّؤال. ويتّفق الفقهاء على أنّ الغنيّ يحرم عليه سؤال الصّدقة، ولكنّهم يختلفون في تقدير الغنى الّذي يحرم معه السّؤال. يقول الكاسانيّ: الغنى الّذي يحرم به السّؤال هو: أن يكون للإنسان سداد عيش، بأن كان له قوت يومه، لما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من سأل وعنده ما يغنيه فإنّما يستكثر من النّار، فقالوا: يا رسول اللّه وما يغنيه ؟ قال: قدر ما يغدّيه ويعشّيه» وذكر الحطّاب نقلاً عن التّمهيد في قوله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله قيمة أوقيّة فقد ألحف» الحديث فيه أنّ السّؤال مكروه لمن له أوقيّة من فضّة. وفرّق بعض المالكيّة بين الغنى بالنّسبة إلى سؤال صدقة التّطوّع، وبين سؤال الزّكاة الواجبة، فقالوا: غير المحتاج من عنده قوت يومه بالنّسبة إلى طلب صدقة التّطوّع، أو قوت سنة بالنّسبة إلى سؤال الزّكاة الواجبة، فمن كان عنده ذلك حرم عليه الأخذ مطلقاً، أي سواء كان ما يأخذه من المتصدّق واجباً عليه كالزّكاة، أو كان تطوّعاً. وفي نهاية المحتاج: يكره التّعرّض لأخذ صدقة التّطوّع وإن لم يكفه ماله أو كسبه إلاّ يوماً وليلةً، وسؤال الغنيّ حرام إن وجد ما يكفيه هو ومن يمونه يومهم وليلتهم، وسترته، وآنية يحتاجون إليها، والأوجه جواز سؤال ما يحتاج إليه بعد يوم وليلة إن كان السّؤال عند نفاد ذلك غير متيسّر، وإلاّ امتنع، وقيّد بعضهم غاية ذلك بسنة، ونازع الأذرعيّ في التّحديد بها، ثمّ قال في النّهاية: ومعلوم أنّ سؤال ما اعتيد سؤاله - من قلم وسواك - من الأصدقاء ونحوهم ممّا لا يشكّ في رضا باذله وإن علم غنى آخذه لا حرمة فيه ولو على الغنيّ، لاعتياد المسامحة به، ثمّ قال أيضاً في النّهاية: وفي شرح مسلم وغيره: متى أذلّ نفسه أو ألحّ في السّؤال أو آذى المسئول حرم اتّفاقاً وإن كان محتاجاً، كما أفتى به ابن الصّلاح. وفي شرح المنهاج نقلاً عن الحاوي: الغنيّ بمال أو بصنعة سؤاله حرام، وما يأخذه حرام عليه. وفي الفروع من كتب الحنابلة: من أبيح له أخذ شيء أبيح له سؤاله، وعن الإمام أحمد: يحرم السّؤال لا الأخذ على من له قوت يومه غداءً وعشاءً، ذكر ابن عقيل أنّه اختاره جماعة، ويكون هذا هو الغنى الّذي يمنع السّؤال، وعن أحمد: غداءً أو عشاءً، وعنه: إذا كان عنده خمسون درهماً، ذكر هذه الرّوايات الخلّال، وذكر ابن الجوزيّ في المنهاج: إن علم أنّه يجد من يسأله كلّ يوم لم يجز أن يسأل أكثر من قوت يوم وليلة، وإن خاف أن لا يجد من يعطيه أو خاف أن يعجز عن السّؤال أبيح له السّؤال أكثر من ذلك، ولا يجوز له في الجملة أن يسأل فوق ما يكفيه لسنة، وعلى هذا ينزل الحديث في الغنى بخمسين درهماً، فإنّها تكفي المنفرد المقتصد لسنته.
13 - من المقرّر شرعاً أنّ الحفاظ على المال من مقاصد الشّريعة، ومن الحفاظ عليه عدم الإسراف والتّبذير فيه، كصرفه فيما ليس فيه نفع، أو فيما فيه معصية وضرر، كالصّرف في شراء الخمر، وآلات اللّهو والقمار، وما شابه ذلك، ومن يفعل ذلك فهو سفيه يستحقّ الحجر عليه عند جمهور الفقهاء، كما يحجر على الصّبيّ في ماله ; لأنّه لا يحسن التّصرّف فيه. وقد نهى اللّه سبحانه وتعالى عن إيتاء السّفهاء أموالهم، يقول اللّه تعالى {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً} وهي وإن كانت أموال اليتامى إلاّ أنّ اللّه سبحانه وتعالى أضافها إلى الأولياء لأنّهم قوّامها ومدبّروها، فنهاهم اللّه سبحانه وتعالى عن أن يؤتوها اليتامى حتّى يبلغوا الرّشد فقال تعالى {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}، أي إن أبصرتم وعلمتم منهم حفظاً لأموالهم وصلاحهم في تدبير معايشهم فادفعوها إليهم. قال ابن قدامة: قال أكثر أهل العلم: الرّشد الصّلاح في المال، والإنسان إذا كان ينفق ماله في المعاصي كشراء الخمر وآلات اللّهو، أو يتوصّل به إلى الفساد، فهو غير رشيد ؛ لتبذيره ماله وتضييعه إيّاه في غير فائدة. ولهذا فإنّه يحجر على السّفيه حفاظاً على ماله، وكذلك فإنّ الصّغير المحجور عليه إذا فكّ عنه الحجر لرشده وبلوغه ودفع إليه ماله ثمّ عاد إلى السّفه أعيد عليه الحجر عند جمهور الفقهاء: المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومحمّد من الحنفيّة. وذلك في الجملة. وينظر تفصيل ذلك في (حجر ف /11، 12، 13).
14 - الغنى الّذي تتعلّق به الزّكاة نوعان: غنًى تجب به الزّكاة،وغنًى مانع من أخذ الزّكاة. والغنى المعتبر في إيجاب الزّكاة هو كون المال الّذي فيه الزّكاة فاضلاً عن الحاجة الأصليّة لأن به يتحقّق معنى الغنى. وتفصيل ذلك في (زكاة ف/ 28، 31) والغنى أيضاً هو الأصل في المنع من أخذ الزّكاة، فلا يجوز أن تعطى الزّكاة لغنيّ، لقول اللّه تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ}، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا حظّ فيها لغنيّ، ولا لقويّ مكتسب» وقد اختلف الفقهاء في الغنى المانع من أخذ الزّكاة على مذاهب، والتّفصيل في (زكاة ف /159).
15 - للغنى أثر في أداء الكفّارات، سواء أكانت الكفّارة عن ظهار، أم قتل، أم إفطار في نهار رمضان، أم حنث في يمين، وسواء أكان الواجب في الأداء على التّعيين في أنواع الكفّارة كما في كفّارة الظّهار والقتل، أم كان الواجب على التّخيير في أنواعها كما في كفّارة اليمين. والغنى المعتبر في أداء الكفّارة عند جمهور الفقهاء هو: أن يكون عند الإنسان ما يؤدّي به النّوع الّذي وجب عليه من أنواع الكفّارة فاضلاً عن كفايته وكفاية من يمونه، وغير ذلك من حوائجه الأصليّة ؛ لأنّ ما استغرقته حاجة الإنسان كالمعدوم في جواز الانتقال إلى البدل. وذهب المالكيّة إلى أنّ القدرة تعتبر بملك ما يكفّر به، ولو كان محتاجاً إليه لعلاج مرض، وسكن لا فضل فيه على ما يسكنه، فإنّه يبيعه ويكفّر به، وكذلك تعتبر القدرة بما يملكه من كتب فقه وحديث محتاج لها، وللمراجعة فيها، فيباع ذلك ويكفّر بثمنه، قال العدويّ في كفّارة الظّهار: ولا يترك له قوته، ولا النّفقة الواجبة عليه، لإتيانه بمنكر من القول. واختلف الفقهاء في وقت اعتبار الغنى بالنّسبة لأداء الكفّارة، هل هو وقت الوجوب، أو وقت الأداء ؟ فعند الحنفيّة والمالكيّة وهو الأظهر عند الشّافعيّة: المعتبر وقت الأداء ؛ لأنّها عبادة لها بدل من غير جنسها، فاعتبر حال أدائها، وعند الحنابلة، وفي قول للشّافعيّة: المعتبر وقت الوجوب، ولا يعطى من الكفّارات لغنيّ يمنع من أخذ الزّكاة. وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح (كفّارة).
16 - ذهب الفقهاء إلى أنّ النّفقة الواجبة للزّوجة تختلف باليسار والإعسار، والأصل في هذا قول اللّه تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} وقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ}. وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان: «خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف». لكنّ الفقهاء يختلفون: هل العبرة في الإنفاق بيسار الزّوج فقط، أم العبرة بيسار الزّوج والزّوجة معاً ؟ فعند المالكيّة والحنابلة والخصّاف من الحنفيّة تكون العبرة في النّفقة بحال الزّوج والزّوجة معاً في اليسار والإعسار، ودليلهم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهند: «خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف»، فاعتبر حالها، فإنّ النّفقة تجب بطريق الكفاية، والفقيرة لا تفتقر إلى كفاية الموسرات، فلا معنى للزّيادة. وذهب الشّافعيّة والكرخيّ من الحنفيّة إلى أنّ العبرة في النّفقة تكون بحال الزّوج، لقوله تعالى {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} ففرّق بين الموسر والمعسر. واليسار المعتبر في النّفقة الواجبة للزّوجة هو القدرة على النّفقة بالمال أو بالكسب. وفي ذلك تفصيل ينظر في (نفقة).
17 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى اشتراط الغنى واليسار فيمن تجب عليه نفقة الأقارب، واستثنى الحنفيّة الأب في وجوب نفقة أولاده الصّغار الفقراء عليه، فقالوا: تجب نفقتهم عليه وإن كان معسراً ما دام قادراً على الكسب. وحدّ الغنى عند الحنفيّة ملك نصاب الزّكاة زائداً عن حاجته الأصليّة وحاجات عياله في قول أبي يوسف، وقال محمّد: إذا كان له نفقة شهر وعنده فضل عن نفقة شهر له ولعياله، أجبر على نفقة ذي الرّحم المحرم، وأمّا من لا شيء له وهو يكتسب كلّ يوم درهماً ويكتفي منه بجزء منه، فإنّه يرفع لنفسه ولعياله ما يتّسع به، وينفق فضله على من تجب نفقته عليه، وقول محمّد هو الأوفق كما قال الكاسانيّ. وأطلق المالكيّة اشتراط اليسار دون تحديد، ونصّوا على أنّه لا يجب على الولد المعسر لوالديه تكسّب لينفق عليهما ولو قدر على التّكسّب. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا تجب نفقة القريب إلاّ على موسر أو مكتسب يفضل عن حاجته ما ينفق على قريبه، وأمّا من لا يفضل عن نفقته شيء فلا تجب عليه، لما روى جابر رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه، فإن كان فيها فضل فعلى عياله، فإن كان فيها فضل فعلى ذي قرابته» فإن لم يكن فضل غير ما ينفق على زوجته لم يلزمه نفقة القريب، لحديث جابر رضي الله عنه ؛ ولأنّ نفقة القريب مواساة ونفقة الزّوجة عوض، فقدّمت على المواساة ؛ ولأنّ نفقة الزّوجة تجب لحاجته فقدّمت على نفقة القريب، كنفقة نفسه. وقالوا إنّه يلزم كسوباً - إذا لم يكن له مال- كسبها في الأصحّ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمّن يملك قوته» ولأنّ القدرة بالكسب كالقدرة بالمال.
18 - يشترط فيمن يتحمّل الدّية من العاقلة أن يكون غنيّاً قادراً على دفع ما يتقرّر عليه من الدّية. وقد اختلف الفقهاء في تقدير الغنى الّذي يوجب التّحمّل: فذهب المالكيّة إلى عدم التّحديد، وإنّما قالوا: يضرب على كلّ شخص من العاقلة بحسب غناه، بحيث لا يجحف بماله، فلا يساوي ما يجعل على قليل المال ما يجعل على كثيره. وذلك على قدر طاقة النّاس في يسرهم، ولم يحدّ مالك في ذلك حدّاً. وحدّد الشّافعيّة الغنيّ الّذي يتحمّل في الدّية بأنّه من يملك آخر السّنة فاضلاً عن حاجته عشرين ديناراً ذهباً أو قدرها، اعتباراً بالزّكاة. وقال الحنابلة: لا يتحمّل الدّية فقير، وهو من لا يملك نصاباً عند حلول الحول فاضلاً عنه.
19 - تبرّع الغنيّ بجزء من ماله مستحبّ، سواء أكان ذلك عن طريق الصّدقة المطلقة، أم الوصيّة، أم الوقف، أم ما شابه ذلك. إلاّ أنّ التّبرّع قد يجب على الأغنياء، وذلك إذا كان لدفع حاجة المضطرّين. فقد ذكر الفقهاء أنّ من فروض الكفاية على الأغنياء دفع ضرر المسلم، ككسوة العاري، وإطعام الجائع، وفكّ الأسير، وذلك إذا لم يندفع الضّرر بزكاة ولا بيت مال ونحوهما، وإذا فعل واحد ذلك سقط الفرض عن الباقين، فإن امتنعوا أثموا جميعاً، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم». وإذا امتنع الغنيّ عن دفع حاجة المضطرّ إلى الطّعام أو الشّراب، كان من حقّ المضطرّ أخذ ما يسدّ رمقه من صاحبه قهراً. قال المالكيّة: إذا كان عند الشّخص من الطّعام والشّراب زيادة على ما يمسك صحّته حالاً ومآلاً إلى محلّ يوجد فيه الطّعام، وكان معه مضطرّ، فإنّه يجب عليه مواساته بذلك الزّائد، فإن منع ولم يدفع حتّى مات ضمن ديته. والغنى المعتبر هنا في الأصحّ عند الشّافعيّة هو الزّيادة على كفاية سنة للغنيّ ولمن يمونهم، لكن يكفي في وجوب المواساة أن يكون له نحو وظائف يتحصّل منها ما يكفيه عادةً جميع السّنة، ويتحصّل عنده زيادة على ذلك ما يمكن منه المواساة. قال الشّافعيّة: هذا في المحتاج غير المضطرّ، أمّا المضطرّ فإنّه يجب إطعامه ولو كان من معه الطّعام يحتاجه في ثاني الحال على الأصحّ، للضّرورة النّاجزة. ولم يحدّد الحنابلة تقديراً للغنى، لكنّهم قالوا: من كان معه طعام وكان مضطرّاً إليه ولو في المستقبل، بأن كان خائفاً أن يضطرّ إليه، فهو أحقّ به، وقالوا: إذا اشتدّت المخمصة في سنة مجاعة وأصابت الضّرورة خلقاً كثيراً، وكان عند بعض النّاس قدر كفايته وكفاية عياله، لم يلزمه بذله للمضطرّين، وليس لهم أخذه منه، لأنّ الضّرر لا يزال بالضّرر، وكذلك إذا كانوا في سفر ومعه قدر كفايته من غير فضلة لم يلزمه بذل ما معه للمضطرّ.
20 - الغنى المعتبر في صدقة التّطوّع هو أن يكون عند الإنسان فائض عن كفايته وكفاية من يمونه، فيتصدّق منه، فإن تصدّق الإنسان بما ينقص مؤنته أو مؤنة من يمونه كان آثماً، فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه «أنّ رجلاً أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه، عندي دينار، قال: أنفقه على نفسك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على ولدك، قال عندي آخر. قال: أنفقه على أهلك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أعلم به» وقال صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمّن يملك قوته» وتحلّ صدقة التّطوّع للأغنياء كما تحلّ للفقراء. والمراد بالغنيّ هنا من منع من أخذ الزّكاة لغناه، فيحلّ له الأخذ من صدقة التّطوّع، إلاّ أنّه يستحبّ له التّنزّه عنها والتّعفّف، فلا يأخذها ولا يتعرّض لها، فإن أظهر الفاقة وأخذها حرم عليه ذلك.
21 - الأضحيّة سواء أكانت سنّةً كما يقول جمهور الفقهاء، أم واجبةً كما يقول أبو حنيفة، يشترط فيها الغنى بالنّسبة للمضحّي، وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:» من كان له سعة ولم يضحّ فلا يقربنّ مصلّانا «والسّعة هي الغنى. وقد اختلف الفقهاء في الغنى المعتبر بالنّسبة للأضحيّة. فعند الحنفيّة هو أن يكون في ملك الإنسان مائتا درهم أو عشرون ديناراً أو شيء تبلغ قيمته ذلك، سوى مسكنه وحوائجه الأصليّة وديونه. ولم يحدّد المالكيّة تقدير الغنى وإنّما قالوا: يشترط أن لا يحتاج لثمنها في الأمور الضّروريّة في عامه، فإن احتاج له فيه فلا تسنّ له. وقال الشّافعيّة: يشترط أن تكون الأضحيّة فاضلةً عن حاجة المضحّي وحاجة من يمونه وكسوة فصله يوم العيد وأيّام التّشريق فإنّه وقتها. وقال الحنابلة: يكره ترك الأضحيّة لقادر عليها، ومن عدم ما يضحّي به اقترض وضحّى مع القدرة على الوفاء. وتفصيل ذلك في مصطلح (أضحيّة ف /16، 59).
22 - ذهب الفقهاء إلى أنّ من كان غنيّاً فإنّه يستحبّ له الوصيّة بجزء من ماله، أمّا الفقير فلا يستحبّ له أن يوصي. لأنّ اللّه سبحانه وتعالى قال: {إِن تَرَكَ خَيْرًا} وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقّاص:» إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكفّفون النّاس «. وذهب الحنفيّة إلى أنّ قليل المال الّذي له ورثة فقراء لا يستحبّ له أن يوصي، وروي عن أحمد أنّه إذا ترك دون الألف لا تستحبّ الوصيّة، قال ابن قدامة: والّذي يقوى عندي أنّه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة فلا تستحبّ الوصيّة، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم علّل المنع من الوصيّة بقوله: {أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً} ولأنّ إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبيّ، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم كان تركه لهم كعطيّتهم إيّاه، فيكون ذلك أفضل من الوصيّة به لغيرهم، فعند هذا يختلف الحال باختلاف الورثة، فلا يتقيّد بقدر من المال.
اعتبار الغنى في الكفاءة في النّكاح: 23 - للفقهاء اتّجاهان في اعتبار الغنى في الكفاءة في النّكاح: أ - الاتّجاه الأوّل: هو أنّ الغنى معتبر في النّكاح في حقّ الزّوج، فلا يكون الفقير كفئاً للغنيّة ; لأنّ التّفاخر بالمال أكثر من التّفاخر بغيره عادةً ; ولأنّ للنّكاح تعلّقاً لازماً بالمهر والنّفقة، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: {الحسب: المال} وقال: {إنّ أحساب أهل الدّنيا الّذي يذهبون إليه هذا المال} {وقال لفاطمة بنت قيس حين أخبرته أنّ معاوية خطبها: أمّا معاوية فصعلوك لا مال له}، ولأنّ على الموسرة ضرراً في إعسار زوجها، ولهذا ملكت الفسخ بإخلاله بالنّفقة فكذلك إذا كان مقارناً ; ولأنّ ذلك معدود نقصاً في عرف النّاس. وهذا مذهب الحنفيّة، وهو قول عند الشّافعيّة، قال الأذرعيّ عنه إنّه المذهب المنصوص الأرجح دليلاً ونقلاً، وهو كذلك قول عند المالكيّة، ورواية عند الحنابلة ذكرها ابن قدامة، في حين أنّ أكثر كتب الحنابلة لم يرو غيرها في المذهب.
ب - والاتّجاه الثّاني: هو عدم اعتبار الغنى في الكفاءة ; لأنّ المال ظلّ زائل، وهو يروح ويغدو، ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر. وهذا قول للمالكيّة، وعلى هذا القول: إنّه ليس للأمّ الاعتراض على الأب إذا زوّج ابنته من رجل فقير، خلافاً لمن قال - باعتبار الغنى - بأنّ لها الاعتراض، وعدم اعتبار الغنى هو الأصحّ عند الشّافعيّة كما قال النّوويّ والشّربينيّ الخطيب، وهو الرّواية الثّانية عند الحنابلة ذكرها ابن قدامة. والغنى المعتبر في الكفاءة هو القدرة على مهر مثلها والنّفقة، ولا تعتبر الزّيادة على ذلك، حتّى إنّ الزّوج إذا كان قادراً على مهر مثلها ونفقتها يكون كفئاً لها، وإن كان لا يساويها في المال، ومن لا يملك مهراً ولا نفقةً فلا يكون كفئاً للغنيّة، ولا تعتبر المساواة في الغنى ; لأنّ الغنى لا ثبات له ; لأنّ المال غاد ورائح، وهذا ما روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد في ظاهر الرّوايات، وهو موافق لما ذكره القائلون باعتبار الغنى في الكفاءة من المالكيّة والحنابلة، وعند أبي حنيفة ومحمّد في غير رواية الأصول: أن تساوي الزّوج والزّوجة في الغنى شرط تحقّق الكفاءة ; لأنّ التّفاخر يقع في الغنى عادةً.
1 - الغناء - بالكسر والمدّ - لغةً اسم من التّغنّي، وله معان منها: ما طرب به من الصّوت والسّماع، ورفع الصّوت، والتّطريب، والتّرنّم بالكلام الموزون وغيره ويكون مصحوباً بالموسيقى وغير مصحوب، والغناء بالفتح: النّفع، والغنى بالكسر: اليسار. والغناء اصطلاحاً: يطلق على رفع الصّوت بالشّعر وما قاربه من الرّجز على نحو مخصوص عند بعض الفقهاء. وعرّفه آخرون بأنّه: رفع الصّوت المتوالي بالشّعر وغيره على التّرتيب المرعيّ الخاصّ في الموسيقى، ليدرج فيه البسيط المسمّى بالاستبداء، أو السّاذج فإنّه صوت مجرّد من غير شعر ولا رجز، لكنّه على ترتيب خاصّ مضبوط من أهل الخبرة، ولذلك نقل الجاحظ عن غيره: أنّ النّغم فضل بقي من النّطق لم يقدر اللّسان على استخراجه، فاستخرج بالألحان على التّرجيع، لا على التّقطيع، فلمّا ظهر عشقته النّفوس، وحنّت إليه الرّوح، ألا ترى إلى أهل الصّناعات كلّها، إذا خافوا الملالة والفتور على أبدانهم ترنّموا بالألحان واستراحت إليها أنفسهم، وليس من أحد - كائناً من كان - إلاّ وهو يطرب من صوت نفسه، ويعجبه طنين رأسه، وقد ذكر ما يقارب هذا لفظاً ومعنًى الإمام الغزاليّ، وغيره، ممّا يدلّ على أنّ الغناء كما يقع بالشّعر والألحان والآلات يقع ساذجاً بصوت مجرّد عن الجميع، لكنّه على نمط خاصّ.
أ - التّغبير: 2 - التّغبير هو في حقيقة الأمر ضرب من الغناء يذكّر بالغابرة وهي الآخرة، ويزهّد في الحاضرة وهي الدّنيا، والمغبّرة قوم يغبّرون بذكر اللّه تعالى بدعاء وتضرّع، وقد أطلق عليهم هذا الاسم لتزهيدهم النّاس في هذه الدّنيا الفانية وترغيبهم في الباقية وهي الآخرة، وهو من " غبّر " الّذي يستعمل للباقي كما يستعمل للماضي. وقال الشّافعيّ: أرى الزّنادقة وضعوا هذا التّغبير ليصدّوا عن ذكر اللّه وقراءة القرآن. والصّلة أنّ التّغبير نوع من الغناء. ب - الحداء: 3 - الحداء بضمّ الحاء وكسرها ضرب من الغناء للإبل إذا سمعته أسرعت. قال ابن قدامة: الحداء هو الإنشاد الّذي تساق به الإبل - وقد ورد عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم {كان في سفر، وكان غلام يحدو بهنّ يقال له: أنجشة. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير} قال أبو قلابة: يعني النّساء. والحداء نوع من الغناء. ج - النّصب: 4 - من معاني النّصب: (بفتح النّون وسكون المهملة) التّرنّم بالشّعر، وهو نوع من أغاني العرب فيه تمطيط يشبه الحداء، وقيل: هو الّذي أحكم من النّشيد وأقيم لحنه ووزنه، فعن السّائب بن يزيد قال: كان رباح - وهو ابن المغترف - يحسن النّصب، وفي حديث نائل مولى عثمان: فقلنا لرباح: لو نصبت لنا نصب العرب. وقال ابن قدامة: النّصب نشيد الأعراب لا بأس به كسائر أنواع الإنشاد ما لم يخرج إلى حدّ الغناء. والصّلة أنّ النّصب ضرب من الغناء.
5 - اختلف الفقهاء في حكم الغناء: فمنهم من قال بكراهته كراهة تنزيه، ومنهم من قال بتحريمه، ومنهم من قال بالإباحة، ومنهم من فصّل بين القليل والكثير، ومنهم من لاحظ جنس المغنّي ففرّق بين غناء الرّجال وغناء النّساء، ومنهم من ميّز بين البسيط السّاذج وبين المقارن لأنواع من الآلات. وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح: (استماع ف 15 - 22) (ومعازف). وهناك مسائل تتعلّق بالغناء منها: أ - (احتراف الغناء): 6 - ذهب الحنفيّة والحنابلة وهو ما يفهم من مذهب المالكيّة إلى أنّ اتّخاذ الغناء حرفةً يرتزق منها حرام. وذهب الإمام الشّافعيّ في الأمّ إلى أنّ المرأة أو الرّجل يغني، فيتّخذ الغناء صناعةً يؤتى عليه ويأتي له، ويكون منسوباً إليه مشهوراً به معروفاً، لا تجوز شهادة واحد منهما، وذلك أنّه من اللّهو المكروه الّذي يشبه الباطل، وأنّ من صنع هذا كان منسوباً إلى السّفه وسقاطة المروءة، ومن رضي بهذا لنفسه كان مستخفّاً وإن لم يكن محرّماً بيّن التّحريم.
ب - (الإجارة على الغناء): 7 - من شروط الإجارة: أن تكون المنفعة المعقود عليها مباحةً شرعاً، وبناءً على ذلك فإنّ الاستئجار للغناء المحرّم والنّوح لا يجوز ; لأنّه استئجار على معصية، والمعصية لا تستحقّ بالعقد. أمّا الاستئجار لكتابة الغناء والنّوح فهو جائز عند الحنفيّة، لأنّ الممنوع إنّما هو نفس الغناء والنّوح - على القول بذلك - لا كتابتهما.
ج - (الوصيّة بإقامة لهو بعرس): 8 - من أوصى بإقامة لهو بعرس فإنّ الوصيّة تنفّذ إذا كان اللّهو مرخّصاً فيه وبآلات مرخّص في استعمالها، ولا تنفذ إذا داخله ما لا يجوز.
د - (مروءة المغنّي وشهادته): 9 - احتراف الغناء وكثرة استماعه ممّا يقدح في مروءة المرء مغنّياً ومستمعاً، بحيث يعرّضه إلى ردّ شهادته، ونقل الحطّاب أنّ الغناء إن كان بغير آلة فهو مكروه، ولا يقدح في الشّهادة بالمرّة الواحدة، بل لا بدّ من تكرّره مثلما نصّ عليه ابن عبد الحكم لأنّه حينئذ يكون قادحاً في المروءة، وفي المدوّنة: تردّ شهادة المغنّي والمغنّية والنّائح والنّائحة إذا عرفوا بذلك، ونقل عن المازريّ: إذا كان الغناء بآلة فإن كانت ذات أوتار كالعود والطّنبور فممنوع، وكذلك المزمار، والظّاهر عن بعض العلماء أنّ ذلك يلحق بالمحرّمات، ونصّ محمّد بن عبد الحكم على أنّ سماع العود تردّ به الشّهادة، إلاّ إن كان ذلك في عرس أو صنيع ليس معه شراب يسكر فإنّه لا يمنع من قبول الشّهادة، وقيّد الحنفيّة ردّ شهادة المغنّي بأن يغني للنّاس بأجرة.
- والوقف على المغنّي: 10 - نصّ الحنابلة على أنّ الوقف لا يصحّ على جهة المغاني، ويصحّ على معيّن متّصف بذلك ويستحقّه لو زال ذلك الوصف، ويلغو شرط الواقف ما دام كذلك، وسائر المذاهب على عدم صحّة الوقف على جهة المعصية. (راجع مصطلح: وقف).
11 - ذهب جمهور الفقهاء: إلى عدم جواز تلاوة القرآن الكريم أو الاستماع إليه بالتّرجيع والتّلحين المفرط. أمّا تحسين الصّوت بقراءة القرآن من غير مخالفة لأصول القراءة فهو مستحبّ واستماعه حسن، لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: {زيّنوا القرآن بأصواتكم} وتفصيل ذلك في (استماع ف 7).
1 - الغنم لغةً: اسم جنس يطلق على الضّأن والمعز، وقد تجمع على " أغنام " على معنى قطعانات من الغنم، ولا واحد للغنم من لفظها. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ، قال الحصكفيّ: الغنم مشتقّ من الغنيمة ; لأنّه ليس لها آلة الدّفاع، فكانت غنيمةً لكلّ طالب.
أ - الصّلاة في مرابض الغنم: 2 - يرى جمهور الفقهاء إباحة الصّلاة في مرابض الغنم إذا أمنت النّجاسة، فقد روى جابر بن سمرة - رضي الله عنه - أنّ {رجلاً سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أصلّي في مرابض الغنم ؟ قال: نعم. قال: أصلّي في مبارك الإبل ؟ قال: لا} وعند الحنفيّة إنّما تباح الصّلاة في مرابض الغنم إذا كانت فوق السّجّادة في حالة الضّرورة، أو إذا كان أصحاب الغنم ينظّفون المرابض، فأبيحت الصّلاة فيها لذلك، وقالوا: لا تكره الصّلاة في مرابض الغنم إذا كان بعيداً من النّجاسة. وقال الشّافعيّة: إذا صلّى في أعطان الإبل أو مراح الغنم وماسّ شيئاً من أبوالها أو أبعارها أو غيرها من النّجاسات بطلت صلاته، وإن بسط شيئاً طاهراً وصلّى عليه أو صلّى في موضع طاهر منه صحّت صلاته، لكن تكره في أعطان الإبل ولا تكره في مرابض الغنم، وليست الكراهة بسبب النّجاسة، فإنّهما سواء في نجاسة البول والبعر، وإنّما سبب كراهة أعطان الإبل هو ما يخاف من نفارها، بخلاف الغنم فإنّها ذات سكينة. وأجاز المالكيّة الصّلاة - ولو من غير فرش - بمربض غنم وبقر لطهارة زبلها وللتّفصيل (ر: صلاة ف 105)
ب - (زكاة الغنم): 3 - زكاة الغنم واجبة بالسّنّة والإجماع. أمّا السّنّة فما رواه أنس رضي الله عنه أنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لمّا وجّهه إلى البحرين: هذه فريضة الصّدقة الّتي فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والّتي أمر اللّه بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط... {وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كلّ مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرّجل ناقصةً من أربعين شاةً واحدة فليس فيها صدقة إلاّ أن يشاء ربّها} وأجمع العلماء على وجوب الزّكاة فيها. وللتّفصيل (ر: زكاة ف 57 وما بعدها)
ج - (سرقة الغنم): 4 - اتّفق الفقهاء على وجوب القطع على من سرق الغنم من الأبنية المغلقة الأبواب المتّصلة بالعمارة. واختلفوا في سرقة الغنم من المرعى: فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه لا قطع في الغنم الرّاعية في حال رعيها، سواء كان معها راع أو لا. ويرى الشّافعيّة وجوب القطع على من يسرق الغنم من المرعى، إذا كان الرّاعي على نشز من الأرض يراها جميعاً ويبلغها صوته. أمّا الحنابلة فلا يشترطون بلوغ الصّوت، ويكتفون بالنّظر، حيث قالوا: وحرز الغنم في المرعى بالرّاعي ونظره إليها إذا كان الرّاعي يراها في الغالب ; لأنّ العادة حرزها بذلك وللتّفصيل في أحوال حرز الغنم وسائر المواشي في الأبنية وغير الأبنية ر: (سرقة ف 37)
د - (السّلم في الغنم): 5 - يشترط لجواز السّلم في الغنم عند القائلين بجوازه في الحيوان - وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - ذكر الأنوثة والذّكورة والسّنّ واللّون والنّوع. ويرى الحنفيّة عدم جواز السّلم في الحيوان وغيره من العدديّات المتفاوتة، لأنّه لا يمكن ضبطها بالوصف، إذ يبقى بعد بيان جنسها ونوعها وصفتها وقدرها جهالةً فاحشةً مفضيةً إلى المنازعة للتّفاوت الفاحش بين حيوان وحيوان. والتّفصيل في مصطلح ر: (سلم ف 20 وما بعدها).
1 - الغنم - بالضّمّ - لغةً: هو الفوز بالشّيء. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ. 2 - من القواعد الفقهيّة قاعدة: «الغنم بالغرم " ومعناها: أنّ من ينال نفع شيء يتحمّل ضرره. ودليل هذه القاعدة هو قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: {لا يغلق الرّهن من صاحبه الّذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه} قال الشّافعيّ: غنمه زيادته، وغرمه هلاكه ونقصه. والتّفصيل في مصطلح (رهن ف 19) 3 - ويندرج تحت هذه القاعدة جملة من الأحكام الفقهيّة: منها: الوقف إذا كان داراً فعمارته على من له السّكنى، فإن امتنع من ذلك أو كان فقيراً آجرها الحاكم وعمّرها بأجرتها. وإنّما يعامل بذلك لأنّ منفعة السّكنى له فعليه عمارتها. والتّفصيل في مصطلح (وقف). ومنها: إذا احتاج المال المشترك إلى التّعمير، يعمّره أصحابه بالاشتراك على مقدار حصصهم ; لأنّ منفعة كلّ منهم على قدر حصّته والتّفصيل في مصطلح (جوار ف 4، وحائط ف 5)
1 - الغنيمة والمغنم والغنيم والغنم بالضّمّ في اللّغة: الفيء، يقال: غنم الشّيء غنماً: فاز به، وغنم الغازي في الحرب: ظفر بمال عدوّه. والغنيمة في الاصطلاح: اسم للمأخوذ من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة، إمّا بحقيقة المنعة أو بدلالتها، وهي إذن الإمام، وهذا عند الحنفيّة. وعند الشّافعيّة: هي اسم للمأخوذ من أهل الحرب الموجف عليها بالخيل والرّكاب لمن حضر من غنيّ وفقير.
أ - الفيء. 2 - الفيء: هو المال الحاصل للمسلمين من أموال الكفّار بغير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب. والفرق بين الغنيمة والفيء: أنّ الغنيمة ما أخذ من أهل الحرب عنوةً والحرب قائمة، والفيء ما أخذ من أهل الحرب بغير قتال ولا إيجاف خيل. وثمّة فرق آخر بين الغنيمة والفيء، هو أنّ الفيء لا يخمّس كما تخمّس الغنيمة. ب - الجزية: 3 - الجزية: اسم لما يؤخذ من أهل الذّمّة، فهو عامّ يشمل كلّ جزية، سواء أكان موجبها القهر والغلبة وفتح الأرض عنوةً، أو عقد الذّمّة الّذي ينشأ بالتّراضي والغنيمة مخالفة للجزية ; لأنّ الجزية تؤخذ من غير قتال، والغنيمة لا تكون إلاّ في القتال. والتّفصيل في (جزية ف 1 و 5) ج - النّفل: 4 - النّفل بالتّحريك في اللّغة: الغنيمة، والجمع أنفال. ومن معانيه في الاصطلاح: ما خصّه الإمام لبعض الغزاة تحريضاً لهم على القتال، وسمّي نفلاً لكونه زيادةً على ما يسهم لهم من الغنيمة. والفرق بين الغنيمة والنّفل: أنّ النّفل ينفرد به بعض الغانمين من الغنيمة زيادةً على أسهمهم لعمل قاموا به نكايةً بالعدوّ، أمّا الغنيمة فللجميع. د - السّلب: 5 - السّلب: ما يأخذه المقاتل المسلم من قتيله الكافر في الحرب ممّا عليه من ثياب وآلات حرب، ومن مركوبه الّذي يقاتل عليه، وما عليه من سرج ولجام. والفرق بين السّلب والغنيمة: أنّ السّلب يكون زيادةً على سهم المقاتل ممّا مع القتيل.
6 - الغنيمة مشروعة أحلّها اللّه تعالى لهذه الأمّة، وحلّها مختصّ بها، قال صلى الله عليه وسلم: {أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي...} وذكر فيها: {وأحلّت لي الغنائم} وكانت الغنيمة في أوّل الإسلام لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم خاصّةً يصنع فيها ما يشاء، ثمّ نسخ ذلك بقول اللّه تعالى: {واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل} فجعل خمسها مقسوماً على هذه الأسهم الخمسة، وجعل أربعة أخماسها للغانمين ; لأنّ اللّه تعالى أضاف الغنيمة إلى الغانمين في قوله: {غنمتم} وجعل الخمس لغيرهم، فدلّ ذلك على أنّ سائرها لهم.
أ - الأموال المنقولة: 7 - يعدّ من الغنيمة ما أخذ من الحربيّ من أموال منقولة قهراً بقتال ; لأنّه مال أخذ في دار الحرب بقوّة الجيش، فكلّ مال يصل إلى يد جيش المسلمين في دار الحرب باعتبار قوّتهم فهو غنيمة، لا ما أخذ من أموال أهل الذّمّة من جزية وخراج ونحوه، ولا ما جلوا عنه وتركوه فزعاً، ولا ما أخذ منهم من العشر إذا اتّجروا إلينا ونحوه. ب - الأرض: وهي على ثلاثة أضرب: أوّلاً - ما فتح عنوةً: 8 - اختلف الفقهاء في قسم الأرض الّتي فتحت عنوةً، أو عدم قسمها: فذهب أبو حنيفة إلى أنّ الإمام مخيّر بين أن يقسمها على المسلمين المقاتلين، أو يضرب على أهلها الخراج ويقرّها بأيديهم. وذهب مالك إلى أنّها لا تقسم، وتكون وقفاً على المسلمين. وذهب الشّافعيّ إلى قسمها بين المقاتلين كما يقسم المنقول. وروي عن أحمد ما يوافق رأي كلّ من أبي حنيفة ومالك. والتّفصيل في مصطلح (أرض ف 25 - 26). ثانياً - ما جلا أهلها عنها خوفاً: 9 - وهذه تصير وقفاً بنفس الظّهور عليها ; لأنّها ليست غنيمةً، فيكون حكمها حكم الفيء. ثالثاً - ما صولحوا عليه من الأرض: 10 - وهو ضربان: أحدهما: أن يصالحهم الإمام أو نائبه على أنّ الأرض لنا ونقرّها معهم بالخراج، فهذه الأرض تصير وقفاً بنفس ملكنا لها كالّتي قبلها. والضّرب الثّاني: أن يصالحوا على أنّ الأرض لهم ويضرب عليها خراج يؤدّونه عنها، وهذا الخراج في حكم الجزية، متى أسلموا سقط عنهم. ج - المال المأخوذ باتّفاق: 11 - ما يؤخذ من فدية الأسارى غنيمة، لأنّه صلى الله عليه وسلم قسّم فداء أسارى بدر بين الغانمين ; ولأنّه مال حصل بقوّة الجيش أشبه بالسّلاح. وما أهداه الكفّار لبعض الغانمين في دار الحرب فهو غنيمة للجيش ; لأنّ ذلك فعل خوفاً من الجيش، فيكون غنيمةً، كما لو أخذه بغيرها، فلو كانت الهديّة بدارنا فهي لمن أهديت إليه. (ر: مصطلح أسرى ف 23 - 24). د - (السّلب): 12 - السّلب من الغنيمة، ولا اختلاف على تخميس الغنيمة. لكن اختلف في سلب القاتل. وأكثر أهل العلم على أنّه لا يخمّس، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: {من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه} وهذا يقتضي أنّه له كلّه، ولو خمّس لم يكن جميعه له، ولقول عمر رضي الله عنه: كنّا لا نخمّس السّلب. والتّفصيل في مصطلح (سلب ف 12) هـ - (النّفل): 13 - سبق تعريف النّفل. واختلف الفقهاء فيما يكون منه النّفل إذا كان من الغنيمة، فقيل: إنّه يكون من أصل الغنيمة، أو من أربعة أخماسها أو خمسها أو خمس خمسها. والتّفصيل في مصطلح (تنفيل ف 5). و - (أموال البغاة) 14 - اتّفق الفقهاء على أنّ أموال البغاة لا تغنم ولا تقسم ولا يجوز إتلافها. وإنّما تردّ إليهم بعد أن يتوبوا. والتّفصيل في مصطلح (بغاة ف 16) ز - أموال المسلمين إذا استردّوها من الحربيّين: 15 - إذا استولى الحربيّون على أموال للمسلمين وحازوها في بلادهم ثمّ استردّها المسلمون. فهل تعتبر هذه الأموال غنيمةً أم لا ؟ وإذا وجد منها شيء بعينه عرف صاحبه، فهل يأخذه قبل القسمة وبعدها عيناً بدون بدل ؟ أم يدفع قيمته ؟ ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ هذه الأموال تعتبر غنيمةً. واتّفق الفقهاء على أنّه إذا وجد منها شيء بعينه عرف صاحبه فيأخذه عيناً بدون بدل إذا كان ذلك قبل قسمة الغنيمة. أمّا بعد القسمة فيأخذه مالكه بالقيمة ممّن وقع في سهمه أو بثمنه الّذي بيع به، وهذا ما ذهب إليه الحنفيّة، وهو رواية عن أحمد. أمّا المالكيّة فقد ذهبوا إلى أنّ المال الّذي يعرف صاحبه المسلم أو الذّمّيّ لا يقسم أصلاً، فإذا قسم لم تنفذ القسمة، ولربّه أخذه بدون ثمن. والرّواية الثّانية عن أحمد: أنّه إذا قسّمت الغنيمة فلا حقّ للمسلم في ماله الّذي وجد في الغنيمة بحال. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ هذا المال يجب ردّه إلى صاحبه المسلم قبل القسمة، فإن لم يعلم به حتّى قسم دفع إلى من وقع في سهمه العوض من خمس الخمس، وردّ المال إلى صاحبه ; لأنّه يشقّ نقض القسمة.
16 - يجب على أمير الجيش المحافظة على الغنيمة، فإن احتاج إلى من يقوم بحفظها بأجر كان له ذلك، فإن استعمل لذلك من له سهم من المجاهدين أبيح له أخذ الأجرة على ذلك " ولم يسقط من سهمه شيء ; لأنّ ذلك من مؤنة الغنيمة، فهو كعلف الدّوابّ وإطعام السّبي، يجوز للإمام بذله. ويباح للأجير أخذ الأجرة عليه.
17 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الغنيمة تقسم في دار الحرب ; تعجيلاً لمسرّة الغانمين، وذهابهم لأوطانهم، ونكايةً للعدوّ. وقيّد المالكيّة هذا بما إذا أمنوا كثرة العدوّ وكان الغانمون جيشاً " وأمّا إن كانوا سريّةً من الجيش. فلا يقتسمون حتّى يعودوا إلى الجيش. ويكره تأخير التّقسيم لبلد الإسلام بلا عذر عند الشّافعيّة، فإنّه صلى الله عليه وسلم لم يرجع من غزوة فيها مغنم إلاّ خمّسه وقسمه قبل أن يرجع، فقد قسّم غنائم خيبر بخيبر، وغنائم أوطاس بأوطاس، وغنائم بني المصطلق في ديارهم. " والتّقسيم راجع عندهم إلى نظر الإمام واجتهاده، فإذا رأى أنّ المسلمين آمنون من كرّ العدوّ عليهم فلا يؤخّر القسمة عن الموضع الّذي غنم فيه " وإن كانت بلاد الحرب أو كان يخاف كرّة العدوّ عليهم أو كان منزله غير رافق بالمسلمين. تحوّل عنه إلى أرفق بهم منه وآمن لهم من عدوّهم، ثمّ قسمه وإن كانت بلاد شرك. وانفرد الحنفيّة برأي في قسمة الغنائم، فجعلوا هذه القسمة ضربين: قسمة الحمل: وتكون في حالة ما إذا عزّت الدّوابّ ولم يجد الإمام حمولةً، فإنّه يفرّق الغنائم على الغزاة، فيحمل كلّ رجل على قدر نصيبه إلى دار الإسلام، ثمّ يستردّها منهم فيقسمها. قسمة الملك: وهي لا تجوز في دار الحرب. وهذا الاختلاف مبنيّ على أصل. وهو أنّ الملك هل يثبت في الغنائم في دار الحرب للغزاة ؟ فعند الحنفيّة لا يثبت الملك أصلاً فيها. لا من كلّ وجه ولا من وجه، ولكن ينعقد سبب الملك فيها على أن تصير علّةً عند الإحراز بدار الإسلام، وهو تفسير حقّ الملك أو حقّ التّملّك عند الحنفيّة. كما أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع الغنائم في دار الحرب، والقسمة بيع معنًى، فتدخل تحته وعند غير الحنفيّة: الغنيمة تملك بالاستيلاء عليها في دار الحرب، لأنّها مال مباح، فملكت بالاستيلاء عليها كسائر المباحات ومجرّد الاستيلاء وإزالة أيدي الكفّار عنها كاف. والدّليل على تحقّق الاستيلاء أنّ الاستيلاء عبارة عن إثبات اليد على المحلّ، وقد وجد ذلك حقيقةً
18 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز لشخص من المجاهدين الّذين يسهم لهم من الغنيمة أن يأخذ منها إن كان محتاجاً وإن لم يبلغ الضّرورة المبيحة للميتة. وقيّد الحنابلة ذلك بما إذا كان قبل جمع الغنيمة، أمّا إذا جمعت الغنائم. فلا يجوز لأحد الأخذ من الطّعام أو العلف إلاّ للضّرورة. فإن كان لا يسهم له، ففي جواز أخذه وعدمه قولان عند المالكيّة. ويجوز للمجاهد الّذي يسهم له أن يأخذ نعلاً وحزاماً وإبرةً وطعاماً وعلفاً لدابّته، فإن أخذ نعماً، أي إبلاً وبقراً وغنماً. ذكّاه وأكل لحمه وردّ جلده للغنيمة إن لم يحتج له. ويجوز أن يأخذ كلّ ما كان مأكولاً، مثل السّمن والزّيت والخلّ لتناوله والانتفاع به لنفسه ودابّته ; لأنّ الحاجة إلى الانتفاع بهذه الأشياء قبل الإحراز بدار الإسلام قائمة. ويردّ الآخذ للغنيمة ما فضل عن حاجته من جميع ما أخذه وإن كثر. أي زادت قيمته عن درهم، ومفهومه أنّ اليسير وهو ما يساوي درهماً لا يجب ردّه إليها، وإن تعذّر ردّ ما وجب ردّه. تصدّق به كلّه بلا تخميس. وفي المقابل إذا أعطى صاحب المقاسم قوماً بعض حصصهم من الغنيمة على الحزر والظّنّ، ثمّ تبيّن من القسمة أنّ حصّتهم كانت أكثر ممّا أخذوا، فإنّ الباقي يردّ إليهم، أو يكون بمنزلة اللّقطة إن كانوا قد ذهبوا. ولو أخذ جنديّ شيئاً من طعام الغنيمة فأهداه إلى تاجر في العسكر لا يريد القتال، لم يستحبّ للتّاجر أن يأكل ذلك لأنّ التّناول منه مباح للجنديّ. وذلك لا يتعدّى إلى الإهداء وما سوى المأكول والمشروب والعلف والحطب لا ينبغي أن ينتفعوا به ; لأنّ حقّ الغانمين متعلّق به، وفي الانتفاع به إبطال حقّهم، إلاّ إذا احتاج إلى استعمال شيء من السّلاح أو الدّوابّ أو الثّياب. فلا بأس باستعماله، ثمّ يردّه إلى الغنيمة ; لأنّ هذا موضع الضّرورة أيضاً، لكنّ الثّابت بالضّرورة لا يتعدّى محلّ الضّرورة. حتّى أنّه لو أراد أن يستعمل شيئاً من ذلك وقايةً لسلاحه ودوابّه وثيابه وصيانةً لها، فلا ينبغي له ذلك ; لانعدام تحقّق الضّرورة. ولا ينتفع بالغنيمة إلاّ الغانمون أنفسهم، فلا يجوز للتّجّار أن يأكلوا شيئاً من الغنيمة إلاّ بثمن. وقد قيّد جواز الانتفاع بالغنيمة بما إذا لم ينههم الإمام عن الانتفاع بالمأكول أو المشروب، أمّا إذا نهاهم عنه فلا يباح لهم الانتفاع به، فعن رافع رضي الله عنه قال: {كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة. فأصاب النّاس جوع. وأصبنا إبلاً وغنماً. وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أخريات النّاس، فعجّلوا فنصبوا القدور. فأمر بالقدور فأكفئت ثمّ قسم}. وأمره صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور مشعر بكراهة ما صنعوا من الذّبح بغير إذن. وأمّا إذا نهاهم الإمام ثمّ اضطرّوا إليه جاز لهم أكله ; لأنّ الإمام إذ ذاك عاص فلا يلتفت إليه. وإذا قسمت الغنيمة أو بيعت. فليس لأحد أن يأخذ من الطّعام أو العلف شيئاً بدون إذن من وقع في سهمه. وإن فعل ذلك كان ضامناً له بمنزلة سائر أملاكه.
19 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه لا ينبغي للغانمين أن يبيعوا شيئاً من الطّعام والعلف وغير ذلك ممّا يباح الانتفاع به بذهب ولا فضّة ولا عروض ; لأنّ إطلاق الانتفاع وإسقاط اعتبار الحقوق وإلحاقها بالعدم للضّرورة، ولا ضرورة في البيع ; ولأنّ محلّ البيع هو المال المملوك، وهذا ليس بمال مملوك ; لأنّ الإحراز بالدّار شرط ثبوت الملك ولم يوجد. فإن باع رجل شيئاً ردّ الثّمن إلى الغنيمة ; لأنّ الثّمن بدل مال تعلّق به حقّ الغانمين، فكان مردوداً إلى المغنم. وذهب المالكيّة في هذه المسألة إلى قولين. القول الأوّل لسحنون. وهو: أنّه ينبغي للإمام أن يبيع الغنائم في دار الحرب ليقسم أثمانها خمسة أقسام: أربعة للجيش وخمس لبيت المال. والقول الثّاني لمحمّد بن الموّاز، وهو: أنّ الإمام مخيّر في بيعها في دار الحرب أو قسم الأعيان، وهذا كلّه إن أمكن البيع في دار الحرب " بأن وجد مشتر يشتري بالقيمة لا بالعين. وبحث في بيعها ببلد الحرب بأنّه ضياع لرخصها. وأجيب بأنّ ذلك يرجع للغانمين لأنّهم المشترون. أمّا إذا لم يمكن البيع في بلد الحرب، فيتعيّن على الإمام أن يقسمها قسمة الأعيان. ويجوز عند الشّافعيّة لأحد الغانمين بيع حصّته قبل قسمة الغنائم. وذهب الحنابلة إلى أنّ للإمام البيع من الغنيمة قبل القسمة لمصلحة ; لأنّ ولايته ثابتة عليه، وسواء أكان البيع للغانمين أم غيرهم، على أنّه لا يجوز للإمام أو أمير الجيش أن يشتري من مغنم المسلمين شيئاً ; لأنّه يحابى " ولأنّ عمر رضي الله عنه ردّ ما اشتراه ابنه في غزوة جلولاء، لكن إذا قوّم أصحاب المغانم شيئاً معروفاً، فقالوا في جلود الماعز بكذا، والخرفان بكذا. فيجوز أخذه بتلك القيمة.
|